جريج يحمل وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى اذا امتثل لطلب الوزير ، مسؤوليةَ إرساءِ ثقافةَ الافلاتِ من العقابْ : لإلزامِ وزيرِ المال بالتوقيعِ على التشكيلاتِ القضائية لرؤساءِ غُرَفِ التمييز وندعو المجتمع الدولي الى اعتبار الانفجار جريمة ضد الانسانية
عقد نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية النقيب جورج جريج مؤتمراً صحافياً في بيت التائب المركزي في الصيفي تناول فيه موضوع طلب تعيين قاض بديل عن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت .
وجاء في المؤتمر الصحافي :
لم يكنْ من دواعٍ لهذا المؤتمرْ الصحافي لولا اصرارُ السلطةِ السياسيةْ على ارتكابِ مزيدٍ من الحماقاتْ الواحدةْ تِلْوَ الأُخرى. انَّ ما نَشهدُهُ منْ إجراءاتٍ في ملفِ تفجيرِ المرفأ يُشَكِلُ مخالفةً قانونيةً جسيمةْ، أكادُ أقولْ إنَها إثمُ العصرْ، حُبِلَ بهِ سياسياً لغسلِ جريمةِ العصرْ التي تواجِهُ خصمينْ شرسين: المدعى عليهم المطلوبين، وحُماتَهُم من السلطةِ السياسيةِ التي تُحاولُ الاستعانةَ بالقضاءِ لارتكابِ مَعْصِيَةٍ جديدةْ بحقِ العدالةْ.
إن حماقةَ تعيينِ قاضٍ مساعدْ أو قاضٍ رديفْ أو قاضٍ مياومْ او على القطعةْ أو بالاصَحْ قاضٍ موالٍ، مُحَدَدْ الصلاحياتْ بالأمورِ المُلحةْ، وفي مقدَمِها طلباتُ إخلاءِ سبيلِ الموقوفينْ في جريمةِ المرفأ، هو حريقٌ ثانٍ يَلتهِمُ ملفَ العدالةْ في هذه الجريمة بكل مفرداتِهِ ومضبوطاتِهِ، مثلما عبثَ حريقُ الاهراءاتِ المُفتعَلْ بمسرحِ الجريمةْ. بلْ هو قتلٌ ثانٍ للضحايا وقَمعٌ لذويهِمْ عن المطالبةْ بأبسطِ حقوقهِم كأولياءِ دمْ، وحزبُ الكتائب منهِم، وهي تحديدُ المسؤولياتْ وإرساءُ العدالةْ.
أولاً : نحنُ أمامَ مخالفةْ أدبيةْ أخلاقيةْ ومخالفةْ قانونيةْ من العيارِ الثقيلْ. في المقامِ الأولْ يُستدعى وزيرُ العدل وصودِفَ أنهُ قاضٍ سابق، ويُستدعى مجلسُ القضاءِ الاعلى الذي يَضُمُ كبارَ القضاةْ، لاختراعِ سابقةْ قضائيةْ مختلفة تماماً عن القرار 921/2006 المتذرع به تُفْضي الى الإجهازِ الكاملْ على التحقيقْ، وتُؤدي الى حفظِ الملفْ وتودي بهِ الى رفوفِ المجالسْ العدليةْ الفارغةْ، بالاضافةِ الى أنَّ تعيينَ القاضي البديلْ المجهولْ المعلومْ هو بمثابةِ فزاعَةْ للقاضي الأصيلْ، وانَ تعيينَهُ يشكلُ مخالفةً صريحةْ للمواد ٣٦٠ وما يليها من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنصُ على تعيينِ محققٍ عدلي واحدْ يتولى التحقيقاتْ واصدارَ المذكراتْ التي يَتَطلبُها التحقيقْ، ما يجعلُ الاجراءَ بمثابةِ عديمِ الوجود.
للأسف، ضُرِبَ القضاءُ هذه المرةْ من بيتِ أبيه، عندما سُمحَ بهذا التدخلِ السافرْ من السلطةِ التنفيذيةْ بعملِ السلطةِ القضائيةْ من خلالِ وزيرِ العدل في حكومةِ تصريفِ أعمال. فصرنا أمام مشهدٍ مُقرفٍ ينخُرُ الجسمَ القضائي المُعَوّل عليه يضاف الى : قاضٍ موالٍ وقاضٍ معارضٍ. قاضي لذوي الضحايا وقاضي لذوي المطلوبين والموقوفين. والاثنينِ أهالي الضحايا وأهالي الموقوفين لا يطلبون سوى العدالة ورفع الظلمِ عنهُمْ.
ثانياً : إن وزيرَ العدل هو وزيرٌ في حكومةِ تصريفِ أعمالٍ مستقيلةْ، وبالتالي هو وزيرٌ مستقيلْ لا يحقُ لهُ اتخاذُ هكذا قرارْ لانهُ مولجٌ فقط بتسييرِ الاعمالْ ولا يجوزُ لهُ إنشاءُ مراكزَ قانونيةٍ جديدةْ سنداً لاجتهادٍ ثابتْ لمجلس شورى الدولة.
ثالثاً : إن تسريعَ التحقيقاتْ والبتَ بطلباتِ اخلاءِ سبيلِ الموقوفين مَطلبُ حقٍ يرادُ بهِ باطل، مطلبُ حقٍ ونحنُ معهُ ونؤيدُهُ برفعِ الظلمِ عن الأبرياءْ الذين طالَ توقيفُهم. الاّ أنَّ التفريعَ بالشكلِ الحاصلِ فيه يحوّلُ العدالةَ في هذه الجريمةْ الى عدالةٍ مسخْ برأسَينَ، وكأن المطلوبَ ضربُ القضاءِ من الداخلْ بعدما عَجَزَتْ المراجعاتُ السياسيةْ بمخاصمةِ المحققِ العدلي القاضي طارق البيطار عن تحقيقِ أهدافِها. هذا التفافٌ جديدْ على عملِ المحققِ العدلي وتحايُلٌ عليه بأدواتٍ قضائيةْ هذه المرةْ، لتحقيقِ ما عَجَزَتْ عنهُ المخاصماتُ العبثيةْ والكيديةْ التي لجأَ اليها المدعى عليهم والمطلوبونَ الى التحقيق. وهنا أسألْ كيفَ اقتنَعَ وزيرُ العدل ومجلسُ القضاء بهذا التفريعْ خاصةً اذا أُعْطِي القاضي الرديفْ صلاحياتٍ حصريةْ بالبتِ باخلاءاتِ السبيل وبالدفوعِ الشكلية. وهنا المخالفةْ الجسيمةْ، فكيف سيَبُتُ القاضي الرديفْ باخلاءاتِ السبيلْ وهو قاضٍ مُستحدَثْ لا يملكُ ملفَهُ ويَجهلُ معطياتِهِ. وكيفَ سيَبُتُ باخلاءاتِ السبيلْ والملفُ موجودٌ أمامَ محكمةِ التمييز، بلْ أكثرْ، إن مخاصمةَ المحققِ العدلي التي أوقفتْهُ عن العملْ تَسري حكماً على القاضي الرديفْ لأن الخلافَ يتناولُ موضوعَ الدعوى ونُقطةَ الاختصاصْ وليسَ شخصْ المحقق العدلي. بلْ أكثرَ وأكثرْ، سيكونُ هذا القاضي الرديفْ بمثابةِ مرجعٍ استئنافي وتمييزي ونقضي لقراراتِ المحققْ العدلي لجهةِ تقريرِ اخلاءاتِ السبيل لأشخاصٍ أوقِفوا أو مطلوبين الى التحقيق بناءً على إشارةِ المحققِ العدلي الاصيلْ. هذا يَعني، أنَّ الأصيلْ يُصدِرُ مذكراتِ توقيف، والقاضي الرديف يخلي سبيل الموقوفين، وفي هذا مخالفةْ للمادة ٣٦٢ أ.م.ج. التي تنصْ على أن قراراتْ المحققِ العدلي غيرُ قابلةْ لأي طريقٍ من طرقِ المراجعة. إن هذا الإجراءْ من داخلِ البيتِ القضائي يُنهي عملَ المحققِ العدلي بتعيينْ محققْ مساعدْ يصبحُ عَمَلِياً مُحِقِقاً أعلى ومُحققاً متبوعاً لا محققاً تابعاً. هذه جريمةْ من السلطةْ السياسيةْ ومن القضاءْ بحقِ القضاءْ تُرتكبُ عن سابقِ معرفة.
رابعاً : إنَ التوافقَ على تعيينِ قاضٍ رديفْ جاءَ من دونِ الوقوفْ على رأي القاضي الأصيلْ الذي تعرّضَ لأبشعِ أنواعِ التعسفْ في استعمالِ الحقِ وبَقيَ صامداً ولم يَرضخْ، فهل تَبَصَّرَ وزيرُ العدل ومجلسُ القضاء الاعلى بالنتيجةِ التي سيؤولُ اليها قرارُهُما وهي في حَدِها الادنى تجويفُ عملِ المحقق العدلي، وفي حدِها المنطقي دَفْشُهُ الى الاعتذارْ ، أم هذا هو المطلوب. بل أكثرْ إن الاجراءَ أو هذا الاجراء عملٌ عقابيٌ بحقِ المحققِ العدلي، وتَشليحُ القاضي الأصيل صلاحياتِهِ وتحويلُها الى القاضي الرديفْ الذي سيُعيّنْ سياسياً لاصدارِ قراراتٍ صفراءْ. تبدأْ بقبول الدفوع الشكلية والاختلاف على الوصفْ الجرمي وعلى الصلاحية وإخلاءِ سبيلِ الموقوفين واستردادِ مذكراتْ توقيفْ المدعى عليهم المطلوبين وترحيلِ الاختصاص الى المجلس الاعلى لمحاكمةِ الرؤساءْ والوزراء. إنها جريمةٌ عن سابِقِ تصورْ وتصميمْ من داخلِ البيتْ بحقِ جريمةِ العصر، ومخالفةٌ لقواعدِ القانونْ الدولي التي تُحدِدُ ثلاثةَ أسبابٍ تُبررُ اقالةَ قاضٍ وهي الخطأُ الجسيم، وثبوتُ عدمِ الكفاءةِ أو عدمِ القدرةْ، Faute grave, incompétence, incapacité وهي حالاتٌ أثبتَ المحققُ العدلي عَكْسَها كلياً.
خامساً : نحنُ أمامَ عمليةِ ردّ أو تنحيةْ صريحةْ للمحققِ العدلي وقد فاتَ وزيرُ العدل ومجلسُ القضاء أن المحققَ العدلي هو محققْ خاص Ad Hoc لا يُمكنُ الاستنادُ بشأنِهِ لا الى المادة ١٢٠ ولا الى المادة ١٢٨ أ.م.م. علماً أن كتاب وزير العدل المصرّفِ للأعمال لم يُسنِد طَلَبَهُ الى أي مادة قانونية بل الى: بلغنا ووردتنا معلومات والعمل على البت بمبدأ تعيين محقق عدلي لمعالجة الأمور الضرورية والملحة … وانّ تنحيةْ أو ردْ المحققِ العدلي لا يجوزُ ان تتمَ بالطريقةِ ذاتِها التي يُرَدُ بها المحققُ العادي من منطلقْ ان المجلسَ العدلي منشَأٌ بقرارٍ سياسي في شأن قضائي تَتَخِذُهُ الحكومةْ، وبالتالي يَجِبْ ان تبقى لهذه الحكومةْ وَحْدَها صلاحيةَ ردْ المحققِ العدلي وتعيينِ بديلٍ منهُ بعدَ موافقةْ مجلسِ القضاء الأعلى تطبيقاً لمبدأ موازاةِ الصيغ parallélisme des formes حتى أنهُ لا يحقُ لمجلسِ الوزراء إقالةُ المحققِ العدلي، ولا حتى وزيرَ العدل وإنْ بموافقةِ مجلسِ القضاءْ الأعلى، لأنّ الأحكامَ المُتعلقةْ بالمجلسِ العدلي هي أحكامٌ خاصّةْ واستثنائيةْ لا يجوزُ التوسُّعُ في تَفسيرِها، ولأنَ وِلايةَ المحققِ العدلي تَنْتَهي بانتهاءِ القضيّةْ التي عُيِّنَ لأجلِها.
سادساً : يُطلِقُ هذا الاجراءْ رصاصةَ الرحمةْ على صَدْرِ العدالة وفي قلبِ مسارِ استقلاليةِ القضاءْ وعلى رأسِ الحصانةِ الذاتيةْ لكلِّ فعلٍ قضائي. فَكُفوا البكاءَ وأكمِلوا في ثقافةِ ال “ألو” وفسادِها السياسي، لكن الى حين.
إننا من موقِعِنا كأولياءِ دْم، نُحمِّلُ وزيرَ العدل ومجلسَ القضاء الأعلى في حالِ امتثَلَ لطلبِ الوزيرْ، مسؤوليةَ إرساءِ ثقافةَ الافلاتِ من العقابْ من خلالِ كفِ يدِ المحققِ العدلي وخَلْقِ ازدواجيةٍ وقحةْ في ملفٍ واحد معَ ما تعنيهِ من مواجهةِ قاضيَيْن يُعطلُ الرديفُ فيها الأصيلْ، ويَستفيدُ منها المدعى عليهم وشُركاؤهم والموقوفون على ذمةِ التحقيق، ويدفعُ ثمنَها مرةً جديدة ذوو ضحايا انفجارِ المرفأ.
إن البتَّ باخلاءِ سبيلِ الموقوفين يَقتضي معالجةَ الأسبابِ التي حالَتْ دونَ قيامَ المحققِ العدلي بوظيفَتِه منذُ نهايةِ العامِ الماضي خصوصاً لجهةِ إلزامِ وزيرِ المال يوسف الخليل بالتوقيعِ على التشكيلاتِ القضائية الجزئية لرؤساءِ غُرَفِ محكمة التمييز.
إننا والحالُ هذه، نَدعو المجتمعَ المدني بكل أطيافِهِ، والمجتمعَ الدولي الى ضبطِ الدولةْ اللبنانية مُمَثلةً بوزيرِ العدلْ وببعضِ القضاءْ بالجرمِ المشهود، واعتبارْ جريمةَ المرفأ جريمةً ضد الانسانية، والقضاءُ اللبناني قاصراً عن القيامِ بدورهِ، ما يُحَتِمُ انعقادَ اختصاصِ القضاء الدولي حمايةً لحقوقِ المتضررين الطبيعيةْ في تحديدِ المسؤولياتِ وإنزالِ العقوباتِ في كلِّ من تَثْبُتْ مسؤوليَتُهُ في جريمةِ تفجيرِ المرفأ.
ويبقى الرهانُ على بعضِ القضاءْ الحرْ القادرْ على قلبِ الطاولةْ واعادةِ الكرامةِ الى سُلطَةٍ تَحْكُمُ باسمِ الشعبِ اللبناني.