كشف وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى اننا :”سنشهد في وقت قريب استعادة لوحات كبيرة من الفسيفساء تعود للعصر البيزنطي، كانت سُرِقَت وهربت خلال الحرب”
واضاف :” لقد توصلْنا إلى آليات لاستعادتها إلى بيت أبيها في المتحف الوطني وسنستكمل الجهود لأجل استعادتِها مع سواها إن شاء الله”.مؤكدا إن حماية هذا التراث يشكل بعدا ثقافيا من أبعاد المقاومة، وتحريرا للتاريخِ من أيدي المتسلطين عليه.
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته الحفل الرمزي الذي اقيم في المتحف الوطني لمناسبة الذكرى الثمانين على تأسيسه تخلله تكريم رئيسة المؤسسة اللبنانية للتراث السيدة منى الهرواي ومنحها درع وزارة الثقافة عربون تقدير احترام وعرفان بالجميل لعملها الدؤوب في استعادة المتحف الوطني تألقه ومكانته وذلك في حضور حشد كبير من الوزراء الحاليين بينهم دولة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ، وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي ،الاتصالات جوني القرم الطاقة وليد فياض ،العدل هنري خوري،المهجرين عصام شرف الدين،والوزراء السابقين السيدة مي ميقاتي ممثلة دولة الرئيس نجيب ميقاتي ،رئيسة مجلس ادارة الكونسرفتوار السوبرانو هبة قواس رئيسةالمؤسسة الوطنية للتراث السيدة منى الهراوي والاعضاء ، رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين السيدة نورا جنبلاط ، مسؤولة بوتيك المتحف السيدة لما سلام واعضاء السلك الدبلوماسي والفاعليات السياسية والاجتماعية والثقافية والهيئات المعنية بالشأن التراثي اضافة الى الوفد المشارك في الملتقى الاقليمي “حماية التراث والممتلكات الثقافية في البلدان العربية في اوقات الازمات”
استهل الحفل بالنشيد الوطني اللبناني على وقع عزف الاوركسترلطلاب “الكونسرفتوا” بقيادة المايسترو اندريه الحاج ، ثم قصيدة زجلية من وحي المناسبة للشاعر ناجي بو عساف .
الوزير المرتضى لفت في بداية كلمته الى ان وزارة الثقافة المعنية في اعادة تنشيط الزجل ارسلت الى كل الوزارات تتمنى عليها بان تبدا اي فعالية رسمية بمقطع زجلي من وحي المناسبة ايمانا منهاباهمية المحافظة على هذا الموروث الثقافي غير المادي.
ومما جاء في كلمة الوزير للمناسبة :”يشبه هذا الصرح العريق شيخا ثمانينيا، يحمل على كتفيه أحمالا ثقيلة وزنها سبعة آلاف عام، لكنه يمشي بها مستقيمَ العود ثَبْتَ الخطا، غير ملتفت إلا إلى الضوء الطالعِ من الآتي. لذلك من أقلّ البِر به، بل من حقه الإنسانيّ علينا، أن نحتفي بشيخوخته، ونعيِّدَ له عنوانًا للذاكرة ورجاء للمستقبل، وأن نقف أمام كلِّ أثرمحفوظ فيه قائلين: “انطُق أيها الحجر”.
واضاف :” والحجر إذا نطق، تحدث بلسان الزمان، وروى كيف نبتت فكرة إنشاء المُتحف الوطني عام 1923 وشرع فيه وبذل من أجله الجهد والمال والشغف، حتى اكتمال بنائه وافتتاحه رسميًّا عام 1942.”
وتابع المرتضى :”والحجر إذا نطق، تحدَّثَ أيضًا بلسان المكان، وحكى كيف كان الأمير موريس شهاب، أمين المتحف على مدى ثلاثةٍ وثلاثين عامًا، يتجوَّلُ فيه ويرعى موجوداته كأبٍ صالح يفتقد أبناءَه على الدوام، وكيف بقي حافظًا للكنوز وحارسًا للتاريخ، خصوصا في زمن الحرب الأهلية المشؤومة، يوم كان المتحاربون على طرفَي خطوط التماس يتبادلون الرصاص لقتلِ اليوم، فيما الشهابيّ الأمين يعمل على حماية الوجود الثقافي المسجى في النواويس والفسيفساء والتماثيل، وسواها من محتويات هذا الصرح، مخافة أن ينفجرَ بها مدفع غاشم، أو قنبلة طائشة، فيُسْفحَ دمُ الماضي على أقدام ذاك الحاضر الأليم. فيا سبحان الله، كيف تفترقُ الثقافةُ عن الجاهلية: الأولى تبحثُ عن الحياة في الجماد، والثانية تدمر ما هو حي.”
واردف :”لكن جهود القيمين عليه لم تشفَعْ بنتيجتِها، فتعرض المتحف لما تعرض له من نيران صديقة وعدوة. ونال الآثار التي نالها من سرقة وضرر، وأُغلقَت أبوابه، وخزنت قطَعه الأثرية التي لا مثيل لها في السراديب السفلى، حتى انتهت الحرب فأعيد ترميمه على مراحل وافتتاحه مجددًا للعموم. وهنا لا بدَّ من الإشادة بالدور البارز الذي قامت به السيدة الأولى منى الهراوي رئيسة المؤسسة الوطنية للتراث، أثناء مراحل الترميم المتتالية، وبما أنجزه أيضًا في هذا المجال معالي الوزير المرحوم ميشال إده ووزراء الثقافة الذين تعاقبوا بعده على تعهّد هذا الصرح.”
واستطرد بالقول :”كان لا بد من المرور سريعا بشيء من التاريخ الذي سمعتم. فنحن هنا في حضرته، شهود على استمراره حيا في وجداننا الوطني. وفي الوقت نفسه، ما دام المتحف محجةَ الأجيال الطالعة، فلا يصح أن يبقى خزانةَ الذاكرة فقط، بل ينبغي له أن يكونَ مرآةَ اللقاءِ بين العصور التي عبرت بهذا الوطن الحبيب وتلك التي سيعبر بها حتى انقضاءِ الدهر. فالخيط الحضاريّ الذي ينتظم شعبًا ما في حياته على بقعةٍ ما، إذا انقطع، تمزّقَت الهُوِيَّةُ وتناثرَت في براري الشعوب. ولبنان، هذا الحاضر في الأرض، شرقها وغَرْبِها، منذ وَعْيِ الشفة لحرف، والبحر لمجذاف، والقَوامِ لأرجوان، ينبغي له أن يستجمع في هذا المقر، وفي سواه من مبانٍ عامة وخاصة، أوابدَ الماضي التي تشهد له بعراقة الحضور المتجدد.”
ولفت الى ان هذا :”يدفع إلى التأكيد على وجوب التشدد في تطبيق القانون رقم 37 لعام 2008 المتعلق بالممتلكات الثقافية، وبخاصة لناحية حماية القطع الأثرية الصغيرة وإدارة ترميمها والتفرغ عنها، ولا سيما تلك التي في حيازة الأشخاص العاديين. كما يجب أيضا مواصلة السعي لاسترداد القطع التي نهبت خلال الحرب من المتحف الوطني ومن لبنان بشكل عام، وهرِّبَت إلى خارج، فأصبحت معروضة في متاحف أجنبية أو بيعت بالمزاد العلني.”
وشدد على اهمية صون التراث وارثنا واستعادته :”وهنا أزفُ إليكم خبرا جميلًا، فإننا سنشهد في وقت قريب استعادة لوحات كبيرة من الفسيفساء تعود للعصر البيزنطي، كانت سرقَت وهربت خلال الحرب. ولقد توصلْنا إلى آليات لاستعادتها إلى بيت أبيها في المتحف الوطني وسنستكمل الجهود لأجل استعادتها مع سواها إن شاء الله. إن حماية هذا التراث يشكل بعدًا ثقافيا من أبعاد المقاومة، وتحريرا للتاريخِ من أيدي المتسلطين عليه. على كل صخرة في لبنان وشم أثر. وتحت كلِّ شجرة إرثٌ عريق. فإذا لم نَحم الأثرَ وننقِذِ الإرث، أصبح للمستقبل عندنا ثأر علينا مشروع.”