خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

      التعليقات على خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله مغلقة
خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين(ع)، عندما قال: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، فَإِنَّكُمْ مَسؤولُون حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ”.

وفي ذلك دعوة لنا إلى تقوى الله عز وجل وأخذه بالحساب بأن نؤدي مسؤولياتنا في الحياة التي وسعها الإمام(ع)، والتي لا تقف عند حدود تركنا للحرام وأداء الواجبات من الصلاة والصيام والحج والخمس والزكاة، بل تتعدى ذلك إلى مسؤوليتنا تجاه عباده، بأن لا نكتفي بأن لا نسيء إليهم وإلى مصالحهم، بل يتعدى ذلك إلى أن نكون خيراً لهم وأن نترك أثراً طيباً في حياتهم، كما دعانا الإمام(ع)، عندما قال: “خالطوا الناسَ مُخالطةً إنْ متّمْ مَعَهَا بَكَوا عليكم، وإنْ عشتم حَنّوا إليكم”، “كونوا في الناس كالنحلة في الطير”.

ومسؤولية أخرى علينا هي مسؤوليتنا تجاه وطننا الذي ينبغي أن يكون عزيزاً حراً كريماً، لا تناله يد الفاسدين والمفسدين من الداخل ولا يد الأعداء من الخارج.

ونحن معنيون أيضاً بالأرض التي استخلفنا الله عليها، بأن نعمرها بكل سبل العمران ونحسن استثمار مواردها، وأن لا نفسد فيها بأي مظهر من مظاهر الفساد، كما قال عز وجل: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}، وحتى البهائم بأن نرعاها ونحسن الاستفادة منها وأن لا نسيء إليها.

ومتى وعينا ذلك، فإننا نضطلع بمسؤوليتنا تجاه الله عز وجل ونحسن الجواب عندما نقف بين يديه، ويقال لنا: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}، حينها سنسأل عن كيفية تركنا للعباد والبلاد والبقاع والبهائم، وبذلك تكون الحياة أفضل ونكون أكثر قدرة على مواجهة تحدياتها وصعوباتها.

والبداية من غزة، حيث يستمر العدو الصهيوني بارتكاب مجازره فيها، وقد لا يكون آخرها ما جرى من فظائع في رفح أصابت خيم النازحين، في مشهد يندى له جبين الإنسانية، وهي تتواصل مع الأسف رغم القرار الأخير الصادر عن محكمة العدل الدولية والذي دعا إلى إيقاف الهجوم على رفح، وطلب مدعي عام المحكمة

الجنائية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء العدو ووزير حربه والدعوات التي صدرت من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإيقاف إطلاق النار، ورغم التظاهرات والمسيرات التي جابت ولا تزال عواصم العالم وهي تدعو إلى إيقاف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وضرورة إيقاف نزيف الدم والدمار، ما يشير إلى عدم مبالاة هذا الكيان بكل القرارات الدولية، والرأي العام الدولي وحقوق الإنسان ويجعلنا نفكر ملياً بكيفية التعامل مع هذا العدو.

وهو في ذلك يستفيد من الدعم والتغطية الشاملة من الدول الداعمة له، ما يجعل هذا الكيان فوق أي حساب أو مسؤولية، وإذا كان من إدانات بتنا نسمعها فهي تبقى في حدود التصريحات وبيانات الشجب ولا تشكل أي ضغط على هذا الكيان يردعه عن جرائمه وارتكاباته.

في هذا الوقت يستمر الشعب الفلسطيني بالخيار الذي أخذه في مواجهة هذا العدو، والذي يعبر عنه صموده البطولي والأسطوري وبصبره غير المحدود على الأذى الذي يتعرض له وبمقاومته التي تقدم كل يوماً أنموذجاً في البطولة، والذي تشهد به العمليات الجهادية النوعية التي تقوم بها، والتي تجعل العدو وإن تقدم بآلياته غير قادر على الثبات والتحرك بحرية في الأرض التي يصل إليها، والتي باتت تربك مخططات هذا العدو وتجعله غير قادر على تحقيق الأهداف التي وضعها لحربه، وتجعل الكيان يعيش المأزق الداخلي إن على الصعيد السياسي أو الأمني.

ونحن إذ نحيي صمود هذا الشعب ومقاومته، نجدد دعوتنا للعالم العربي والإسلامي ومعهم كل أحرار العالم إلى ضرورة مد يد العون لهذا الشعب وإسناده ومساعدته على الاستمرار في ثباته وصموده.

وهنا ننوه بكل الجهود التي بذلت إن على الصعيد الرسمي أو الشعبي والتضحيات التي تقدم على هذا الطريق، والتي نشهدها اليوم في اليمن أو تلك التي تحصل في لبنان…

ونتوقف هنا عند ما جرى في رفح على الحدود الفلسطينية المصرية من اشتباك أدى إلى استشهاد جندي مصري وجرح آخرين، والذي جاء تعبيراً عن مشاعر الشعب المصري وجيشه الرافض لممارسات الكيان الصهيوني، وهنا نعرب عن مواساتنا للشعب المصري وجيشه مصابهم الأليم والدعاء للجرحى من المصابين بالشفاء.

وبالانتقال إلى سوريا التي لا يزال العدو الصهيوني يمارس اعتداءاته عليها، والتي كان آخرها ما جرى اليوم في محافظة حمص والتي أودت بحياة عدد من المدنيين…

وفي هذا الإطار، فإننا ننوه بعودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وسوريا، والتي نأمل أن تتعمق وتتطور، وتساعد على إخراج سوريا مما لا تزال تعاني منه في الداخل أو الخارج.

ونعود إلى لبنان الذي تستمر فيه المقاومة بأداء دورها في نصرة الشعب الفلسطيني وبالحدود التي رسمتها وفي التصدي لاعتداءات العدو الصهيوني التي تطاول القرى الآمنة والتي بلغت حد استهداف المدنيين أمام المستشفيات كالذي حصل في مستشفى صلاح غندور.

ونحن في الوقت الذي نحيي المقاومة على أداء دورها في نصرة القضية الفلسطينية والدفاع عن أهلها، وفي منع العدو من التمادي في عدوانه، ندعو الشعب اللبناني إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة تهديدات العدو المتكررة للبنان، وهنا نأسف للأصوات التي ارتفعت في مواجهة القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بالمساعدة العاجلة للنازحين من القرى الحدودية ولمن تهدمت بيوتهم من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات ما يجري على النازحين، وإن من مسؤولية الدولة اللبنانية الوقوف مع مواطنيها ومد يد العون إليهم عندما تعصف بهم الأزمات.

في هذا الوقت، نؤكد على ضرورة التجاوب مع كل الدعوات التي تريد إنهاء الشغور الرئاسي، للوصول إلى رئيس يتوحد عليه اللبنانيون وقادر على النهوض بهذا البلد، وعدم إبقاء هذا الاستحقاق في إطار التجاذبات الداخلية أو انتظاراً لما يحدث إن على صعيد غزة أو تطورات الخارج، واللبنانيون قادرون على ذلك بالتزامهم الحوار الجاد الذي يزيل الهواجس المتبادلة، ويحدد كيفية التعامل مع الأخطار التي تحدق بالبلد على كل الصعد.

ونبقى في لبنان لنؤكد على أهمية الموقف اللبناني الموحّد الذي تجلّى في مؤتمر بروكسل حول أزمة النازحين، والذي نأمل أن يستمر ويتواصل عبر متابعة هذا الملف مع الحكومة السورية، حتى لا يبقى أسير الموقف الأوروبي الذي يتعامل مع هذه القضية على المستوى المالي فحسب، والذي بات غير كاف لتلبية احتياجات هذا النزوح من دون الأخذ في الاعتبار المضاعفات المترتبة على إبقاء هذا الملف مفتوحاً بدون علاج، والتي قد تشكل خطراً وجودياً على لبنان.