ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية وبمناسبة ذكرى شهادة الإمام الحسن العسكري سلام الله تعالى عليه لا بدّ لنا من التعبير عن مواساتنا لرسول الله (ص) وآله الطاهرين وخصوصاً الإمام صاحب الزمان الحجة ابن الحسن المهدي(عج) البقية الباقية من أئمة أهل البيت (ع) والخلف الوحيد لأبيه الإمام العسكري (ع) إذ تمثل هذه المأساة والشهادة إحدى الجرائم الكبرى التي إرتكبتها العصابة الشريرة من الطغمة العباسية الحاكمة بحق الإسلام والمسلمين وبحق البيت النبوي الشريف بما لم ترتقِ إليه جرائم بني أمية في حقهم على بشاعة ما إرتكبته هذه العصابة وعظيم ما أنزلته من الفوادح في أهل البيت وشيعتهم بل في الأمة كلها.
وإذا كانت منطلق حرب الإبادة التي شنّها الأمويون ضد أهل البيت من منظور التنافس القبلي والثأر من الهاشميين لقتلاهم يوم بدر وحنين والهزيمة التي فقدوا فيها موقعهم الذي كانوا يحتلونه عند القبائل في جزيرة العرب وعدم تسليمهم للدين الجديد وإيمانهم به، فإن منطلق الحرب لدى العباسيين كان الطمع في السلطة وحسدهم للعلويين الذين رأوا فيهم حاجزاً ومانعاً من بلوغ هذا الهدف لا بد من إزالته عن طريقهم، ساعدهم على ذلك الأجواء التي خلقتها ظروف الصراعات السابقة التي أبعدت المجتمع عن التفكير في الأهداف الرسالية التي وُجدت الأمة لتحقيقها، ناهيك عن تشويش الأذهان الذي خلقتها الجماعات التي قبضت على السلطة بواسطة الإعلام المأجور الذي زيّف الحقائق وخلط المفاهيم واخترع الروايات الكاذبة وزوّر الحقائق. ومن المعلوم وفي ظل ظروف القمع والتخويف والملاحقة وإخراس الألسن لمن يخالف السلطة الحاكمة أن الغالبية من الناس التي لا تمتلك الوعي الكافي ولا تدقّق في حقائق الأمور وتتأثر بالإشاعات، ناهيك عن الفئة من الناس التي تزن الأمور بميزان المصالح والمنافع وتخضع لعوامل الخوف والضرر، أن الغالبية من الناس سوف تسير في الركب وتخضع لمنطق القوة وهو في صالح من يمسك بالسلطة، كل هذه العوامل ساعدت السلطة العباسية أن تُضيّع الحقائق وتضع نفسها على الأقل على مستوى إستحقاق الخلافة مساوياً للعلويين وعدم وجود إمتياز للعلويين في هذا الشأن، وأن يفهم الناس بالتالي أن الصراع بينهما هو صراع على السلطة حتى أن حق العلويين في الثأر للإمام الحسين صادره العباسيون وجعلوه شعاراً لثورتهم في عملية تمويه مقصودة لتضليل الأمور على الرأي العام للمجتمع الإسلامي، وأن العباسيين قد ثأروا لأهل البيت وإنتهت بذلك مسألتهم وكأن مسألة أهل البيت هي ثأر شخصي وليس ثأراً للرسالة، وأن الجريمة لم تكن في حقهم الشخصي بقدر ما هي ثأر للدين وتصحيح للمسار، وبذلك إرتكب العباسيون في هذه المسألة أشنع مما إرتكبه الأمويون في حق أهل البيت وفي حق الدين والأمة، وأسسوا لمن جاء بعدهم الإنحراف في ممارسة السلطة وأساليبها في كيفية السيطرة على العامة من الناس التي كانت أهم الأسباب التي مدت في سلطانهم ومدت في حكمهم مستفيدين من تجربة الحكم الأموي الذي أضعف العامل الديني لدى الغالبية من الأمة وادخلها في صراعات قبلية مما أضعف المعارضة في عهد العباسيين ومهد لهم الطريق ويسر لهم السبيل للسيطرة والتحكم.
أيها الاخوة والاخوات، لقد مثّل أئمة أهل البيت (ع) الدين بأنصع وأطهر صورة فلم يسكنوا إلى هذا الواقع الذي صنعته السلطة وإنما واجهوه وعملوا على فضحه بكل الأساليب التي تُبقي على نقاء الدين في كل مرحلة بحسب ما تقتضيه رغم صعوبة الظروف التي حكمت هذا الواقع فقد كانت عين السلطة تحيط بهم وتحاصرهم وتراقبهم وتسجنهم في عملية عزل لهم عن الأمة حتى ينعدم تأثيرهم، بل وتعمد إلى إغتيالهم بدس السم لهم حتى ورد عنهم القول (ما منا إلا مقتول أو مسموم) وقد مارست مع بعض الأئمة (ع) جلبهم من المدينة المنورة إلى مركز السلطة في بغداد أو سامراء أو طوس ووضعهم تحت الإقامة الجبرية كما فُعل مع الإمام الكاظم (ع) أو الإمام الرضا (ع) أو العسكريين (ع)، حتى إذا لم تفلح مع كل ذلك في تضليل جزء من الأمة وتدفعهم إلى التعاون مع السلطة وتقضي على معارضتهم و في قطع التواصل مع أئمتهم (ع) عمدت في مرحلة لاحقة إلى تصفيتهم بالسم على أن ذلك يثبت قوة التأثير التي كانت لهم (ع) في الساحة الإسلامية حيث تخشى السلطة من الإقدام على قتلهم علناً واللجوء إلى الغيلة ودس السم، فرغم كل الظروف التي خلفتها السلطة المنحرفة وأساليب التضليل والدس وإختلاق الروايات الكاذبة لطبقة الدجّالين لم تستطع السلطة القضاء على الحقيقة الدامغة التي مثّلها أهل بيت النبوة وخط الإمامة والإبقاء على النهج الإلهي وعلى الدين الذي أسّس لنفسه القواعد المتينة للعقيدة والتشريع ما أبقاه فاعلاً وحاضراً يقوم بدوره الحضاري المميز في واقع الأمة يدافع عن وجودها ورسالتها ويمنع من ذوبانها وإنهائها.
ولم يكن دور أئمة أهل البيت(ع) هو خلق مذهب داخل الأمة في مقابل المذاهب الأخرى، والدخزل في صراعات وانقسامان مذهبية وإنما الحفاظ على الإسلام في الأمة وعلى أهدافه وغاياته ورسالته وعلى وحدة الأمة وكينونتها في مقابل الإنحراف الذي فعله كل من الخط الأموي والخط العباسي اللذين يمثلان خطين في مقابل الإسلام والدين، فالمواجهة كانت للأنظمة الحاكمة ومحكومة بوحدة الامة وسلامة الدين والشريعة.
فهذان الخطان هدفا إلى السلطة الدنيوية بعيداً عن أهداف الإسلام وإنتهجا في سبيل ذلك كل الأساليب التي تحقق لهما هذا الهدف وهما في ذلك لا يختلفان عن أي نظام معاصر في الشرق أو الغرب يبتغي السيطرة ومد نفوذه الخارجي، فالخط الأموي الذي عبّر يزيد بن معاوية عنه بقوله (ذهبت هاشم بالمُلك فلا خبر جاء ولا وحي نزل) والخط الأموي الذي عبّر عنه هارون الرشيد مخاطباً السحابة في السماء بقوله (أينما ذهبت فخيرك يرجع إليّ) ، فهذان لا يختلفان في أهدافهما عن النظام الغربي أو الشرقي وإن إختلفت الأساليب في أن الله والعدالة الإلهية ليست موجودة في قاموسهما وأن الأهداف هي الملك والسيطرة والتوسع وبسط النفوذ، حيث يخضع العالم لهذا المنطق وتتوزع القوى المسيطرة مناطق النفوذ وتتصارع للسيطرة على الموارد والثروات الاستراتيجية التي تتيح لهما القول للعالم (أنا ربكم الأعلى) وأن الأمم المتحدة التي تُسيطر عليها ما يُسمى بالقوى العظمى أن تقرر مصير العالم وتتعاطى مع العالم على أساس منطق القوة والضعف وأن الضعيف لا محل له في هذا الوجود ولا يستحق الإحترام وليس له أن ينعم بما يستحق من العيش بحرية وكرامة، وتخضع لهذه المعادلة المنطقة العربية والإسلامية ومنها لبنان حيث يُطرد الشعب الفلسطيني من أرضه وتُؤسس عليها كيان عبري عنصري هجين بحماية من الأمم المتحدة وتحتل المزيد من الأراضي بحماية دولية لهذا الكيان ويُمنع أصحاب الأرض حتى من الدفاع عن أنفسهم وتُوسم القوى التي تدافع عن نفسها وكرامتها بالإرهاب.
ومن المؤسف أن تخضع فئة من شعوب هذه المنطقة لهذا المنطق التضليلي وتقف في مواجهة المقاومة وتحاول عند كل محطة إنتصار ان تسخفه وتفرغه من مضمونه بما يضرّ بمصالح أوطانها وشعوبها ويصب في مصلحة أعدائها، وهي تجربة نعيشها في كل بلد من بلداننا العربية والإسلامية سواءً في العراق أو في سوريا أو في فلسطين أو لبنان، رغم ما أثبتته تجارب هذه البلاد من أهمية المقاومة وما حققته من إنتصارات مهمة وهو ما يُعبّر عن قصر نظر هذه الفئات والخطأ الإستراتيجي الذي ينطلق من فهم خاطئ للصراع خلفيته النظرة الطائفية الضيقة وخصوصاً في الساحة اللبنانية التي تعمد بعض الجماعات إلى تشويه صورة المقاومة وإعطاء إنتصاراتها صبغة طائفية في الوقت الذي أثبتت وتُثبت كل يوم حرصها على لبنان ودفاعها عن كل اللبنانيين وتضع إنتصاراتها في خدمة لبنان بكل طوائفه والامتين العربية والإسلامية مما يدفعنا للأسف هؤلاء دائماً إلى بيان هذه الحقائق والتذكير بانجازات المقاومة واهميتها سواء في تحرير أرضه عام ألفين ولم تمارس سلطة على هذه الأرض بدلاً عن سلطة الدولة، بل سهّلت للدولة أن تُمارس سيادتها عليها كما لم تحاكم العملاء والخونة الذين مدوا أيديهم إلى العدو وحملوا السلاح معه وسهّلوا له السيطرة على الأرض واعتدوا على الناس من المواطنين بل تركت للسلطة أن تقوم بدورها في محاكمة العملاء.
كما تمكّنت المقاومة من كسر الإرادة الصهيونية وأفشلت حربها على لبنان عام 2006 فحرّرت الأسرى ثم إستطاعت أن تحقّق للبنان الردع لهذا العدو ومنعه من الإعتداء على سيادة لبنان، وها هي اليوم تمنع العدو من إستثمار آبار الغاز والنفط من الساحل الفلسطيني المحتل ما لم يستطع لبنان أن يُنقّب عن البترول الغاز في مياهه المحاذية للحدود الفلسطينية المحتلة ويستخرجه لصالح الشعب اللبناني.
أيها الاخوة، إنّ المصلحة اللبنانية اليوم في أن يكون اللبنانيون جميعاً ظهيراً للمقاومة والجيش اللبناني للحصول على حقوقه لا في التشويش عليها وتمزيق الداخل اللبناني وإضعافه في مواجهة عدو متربّص يعمل على تفتيت الجبهة الداخلية ليقضم المزيد من المناطق والإستيلاء على المزيد من الثروات اللبنانية.
ومصلحة لبنان تقضي ان يشكل السياسيون شبكة امان سياسي تحصن الاستقرار الداخلي وتعزز الموقف اللبناني الموحد في معركة استعادة حقوق لبنان في ثرواته البحرية، لذلك نأمل ان يبادر السياسيون الى تشكيل الحكومة وإنجاز الاستحقاق الرئاسي بروح توافقية بما يحصن منعتنا الوطنية والحؤول دون الوقوع في فراغ دستوري .
وفي ذكرى حرب تشرين نهنئ الامة العربية والاسلامية والقيادتين السورية والمصرية بالنصر الذي صنعه الجيشان السوري و المصري في معركة العزة والكرامة التي اثبتت ان التضامن العربي المرتكز على القوة وتلاحم الجيوش والشعوب في مواجهة العدوان والاحتلال الصهيوني هو السبيل لتحرير الارض وردع العدوان عنها، وندعو الى تفعيل علاقات الاخوة والتعاون بين الدول العربية والإسلامية والخروج من حالة الانقسام وخاصة بين لبنان وسوريا في مواجهة الحصار والتهديدات والتحديات التي تتعرض لها شعوبنا وبلادنا وان تعود القضية الفلسطينية والقدس الشريف لتشكل الهم العربي والإسلامي وتعيد لهما الحرية وللامة العربية والإسلامية كرامتها المهدورة.