المرتضى من طرابلس في ذكرى اسبوع فانوس :وجيه فانوس سراج لن ينطفىء ولن يوضع تحت مكيال موت بل سيبقى على المنارة ليضيء لجميع الاجيال القادمة

      التعليقات على المرتضى من طرابلس في ذكرى اسبوع فانوس :وجيه فانوس سراج لن ينطفىء ولن يوضع تحت مكيال موت بل سيبقى على المنارة ليضيء لجميع الاجيال القادمة مغلقة
المرتضى من طرابلس في ذكرى اسبوع فانوس :وجيه فانوس سراج لن ينطفىء ولن يوضع تحت مكيال موت بل سيبقى على المنارة ليضيء لجميع الاجيال القادمة

رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى “ان كثيرين منّا في مقام الموتِ يُفيضون في تعداد مآثر الراحلين تيمُّنًا بالحديث الشريف: “اذكروا محاسنَ موتاكم”. لكنَّ بعضًا ممن يغادرون هذه الحياة يتركون فيها خلفَهم إنجازاتٍ تتحدَّث هي فيهم قبل ألسنةِ البشر.”
واضاف في كلمة له لمناسبة ذكرى مرور اسبوع على رحيل الباحث والاديب والاكاديمي الدكتور وجيه فانوس في مقر الربطة الثقافية في طرابلس :” وجيه فانوس واحدٌ من هؤلاء، أبقى ما يُذْكَرُ عنه أنه فهم الثقافةَ سعيًا إلى بثِّ الوعيِ العامّ في المجتمع، بصمتٍ وتواضعٍ وانصرافٍ وديعٍ إلى البذل، فكان معلمًا في الصفوفِ الجامعية وعلى أعواد المنابر وصفحات الكتب، وفي المواقف الوطنية والمسؤوليات العامة، فجسَّدَ من خلال أعماله كلِّها قولَ السيد المسيح: “إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأخذ”.

ومما جاء في كلمة وزير الثقافة :” يوم غيابه قلتُ في نعِـيِّه: “غادر إلى ديار الحق رئيس ندوة العمل الوطني الدكتور الباحث وجيه فانوس، الذي أثرى المشروع النقدي في لبنان والعالم العربي… كان المدافع الصنديد عن اللغة العربية والفكر العربي، إن على جبهته الأكاديمية في الجامعة اللبنانية والإسلامية، أو لجهة نشاطه الثقافي على مدار حياته كأمين عام سابق لاتحاد الكتاب اللبنانيين، أو في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أو مسؤوليته في المركز الثقافي الإسلامي ورئاسة ندوة العمل الوطني، إلى مدى مواقفه في الدفاع عن أصالة الهوية الوطنية في مواجهة التغريب الأكاديمي والثقافي ناهيك عن مواقفه الوطنية في الدفاع عن لبنان في مواجهة التطبيع وتعزيز ثقافة المقاومة في مواجهة الاحتلال والهيمنة… رحمه الله وستبقى ذكراه وإنجازاته راسخة في قلب وعقل ووجدان اللبنانيين رسوخ الأرز في أرض وطننا المعطاء.”

وقال المرتضى :” ثمَّ أتبَعْتُ النعيَّ بتغريدةٍ قلتُ فيها: “كلما غادر مثقَّفٌ، فكأنَّ غصن أرزةٍ ثَلَمَته الريح، أو كأنَّ نسْمةً من صنوبر تسرَّبَتْ بعطرها إلى البعيد البعيد. الدكتور وجيه فانوس الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي والناقد الأدبي ومربي الأجيال المتعاقبة، ها هو الآنَ يكسرُ قلمَه ويُغْلِقُ محبرتَه ويلملم بقايا أوراقِه ويمضى إلى النور الأزلي، تاركًا خلفَه آثارَه الأدبيةَ والنقديةَ والفكريةَ أنوارًا تضيء دروبَ الثقافة اللبنانية والعربية. ستفتقده الجامعات والمنابر والصفحات، لكنه سيبقى في ذاكرة الوطن حضورًا دائمًا يبدد الغياب.”

واضاف :” بالأمس، عندما شرعْتُ في كتابة خطاب الذكرى، وجدتُني مأخوذًا عفوَ الخاطر إلى النعيِّ والتغريدة معًا، لأنَّهما يختزنان برأيي قسمات شخصية الراحل العزيز كما عرَفتُها، ويختزِلانِها في أبعادِها الذاتيةِ والوطنيةِ والثقافية. فالحضورُ الدمثُ الذي كانَهُ، زيَّنَه تَعَلُّقٌ بالوعي الوطني عيشًا وتبشيرًا، وتشبُّثٌ بالثقافةِ وسيلةً لنشر هذا الوعيِ في كلِّ مجالٍ من مجالات عطائه الثريّ. هكذا، من جامعةٍ إلى أخرى، ومن منبرٍ إلى منبر، ومن مَنْصِبٍ إلى غيرِه، كان وجيه فانوس جَمْعًا في مفردٍ، يحيا في أعماق ذاتِه لقاءَ سلامٍ تتآخى فيه حتى الذوَبان ثلاثيَّةُ الأخلاقِ والوطنيَّةِ والفكرِ، حتى لَكَأنّه المعادلُ الوجوديُّ لهذه الثلاثة معًا.”.

واردف المرتضى :” لعلَّ كثيرين منّا في مقام الموتِ يُفيضون في تعداد مآثر الراحلين تيمُّنًا بالحديث الشريف: “اذكروا محاسنَ موتاكم”. لكنَّ بعضًا ممن يغادرون هذه الحياة يتركون فيها خلفَهم إنجازاتٍ تتحدَّث هي فيهم قبل ألسنةِ البشر. وجيه فانوس واحدٌ من هؤلاء، أبقى ما يُذْكَرُ عنه أنه فهم الثقافةَ سعيًا إلى بثِّ الوعيِ العامّ في المجتمع، بصمتٍ وتواضعٍ وانصرافٍ وديعٍ إلى البذل، فكان معلمًا في الصفوفِ الجامعية وعلى أعواد المنابر وصفحات الكتب، وفي المواقف الوطنية والمسؤوليات العامة، فجسَّدَ من خلال أعماله كلِّها قولَ السيد المسيح: “إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأخذ.”

واذ نوه بقرار الربطة الثقافية في طرابلس التي اقامت الحفل التآبيني رغم ان الراحل ليس من ابناء المدينة:” واليوم، لفتَني أن تكون طرابلس المدينةَ الأولى التي تقيم احتفالًا تأبينيًّا للراحل العزيز. على الرغم من أنه ليس منها ولم يعِشْ فيها، بل ربما لم يزرْها إلا في المناسبات الثقافية والاجتماعية المتباعدة.”
واستطرد :” لكن هذا يثبت مجددًا عراقة الفيحاء وأصالة مَعْدِنها الثقافي، واتّساعَ عيشِها الرحيبِ لنسيجِ العلاقات الراقية التي تجمعُ الوطنَ والمواطنين إلى حضنٍ معرفيٍّ يتلاقى فيه الجميع على القيم. وينبئُ أيضًا عن فهم أهل طرابلس وبخاصةٍ المثقفين منهم، أن الحبرَ الذي يجري في عروقِ أقلام الأدباء، أكثرُ قُربى وأشدُّ لُحْمَةَ نسبٍ من الدم الذي يجري في شرايين أجسادهم. مدينةُ العلم والعلماء، صاحبةُ التراثِ الثقافي الأغنى على ساحل المتوسّط، لها علينا في وزارةِ الثقافة عهدٌ نحنُ به قائمون: أن نفعِّلَ الاستفادةَ من كنوزها العمرانية والتاريخية في سبيل التنمية التي تستحقها؛ وما مشروع إدراج معرض الرئيس الشهيد رشيد كرامي على لائحة التراث العالمي لليونسكو، الذي قطع شوطًا مهمًّا على طريق التنفيذ، سوى خطوةٍ قليلةٍ في هذا السبيل.”

وختم وزير الثقافة كلمته بابيات شعرية للكبير احمد شوقي:

يقول أمير الشعراء ما ينطبق جدًّا على الراحل العزيز

غديرٌ أتْرَعَ الأوطانَ خيرًا
وقد تأتي الجداولُ في خشوعٍ
حياةُ معلِّمٍ طَفِئَتْ وكانَتْ

وإنْ لم تمتلِئْ منهُ دَوِيَّا
بما قد يُعْجِزُ السَّيْلَ الأَتِيّا
سِراجًا يُعْجِبُ السّاري وَضِيَّا

لكن لا، وجيه فانوس سراجٌ لن ينطفئَ ولن يوضعَ تحتَ مِكيالِ موت، بل سيبقى على المنارةِ ليُضيءَ لجميعِ الأجيالِ القادمة.

رحم الله فقيد الثقافة وحفِظَكم وحفِظَ لبنان.