ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين أبي القاسم محمد بن عبدالله وعلى آله الهداة المعصومين ومن تبعهم بإحسان الى قيام يوم الدين.الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
والحمد لله على إكمال الدين واتمام النعمة بولاية أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بعد خطاب لرسول الحق (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وإبلاغه من قبل الله تعالى أنه يوشك أن يُدعى، فجمع الناس في غدير خم وبعد أن أشهدهم على تبليغه الرسالة وانه مسؤول وأنهم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجاهدت، ثم أشهدهم على عقيدة الإسلام من شهادة لا إله إلا الله وانه عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وان الموت حق وان الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور وإليه النشور، فشهدوا على ذلك، ثم قال لهم أنهم سيردون عليه الحوض، ثم قال فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فناد منادٕ وما الثقلان يا رسول الله؟ قال الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله عزو جل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والاخر الأصغر عترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، الى أن قال فلا تقدّموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعين فقال: أيها الناس من أولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وانا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد بن حنبل أربعة مرات ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من احبه وأبعض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار ألا فليبلّغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فقال رسول الله (ص) : ” الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعليّ من بعدي ، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين واحداً واحداً كلّ يقول: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب أصبحت وامسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وُجبت والله في أعناق القوم فقام حسان فقال يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية
يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ فاسمع بالرسول منادياً
وبلغهم ما أنزل الله ربهم اليك ولا تخشى هنالك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه بكف علي معلن الصوت عاليا
فقال: من مولاكم ووليكم فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت نبينا ولم تلق منا في الولاية عاصيا
فقال له: قم ياعلي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فيارب انصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
يقول المسعودي المتوفي سنة 346 هـ ( وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظّمون هذا اليوم).
وروى الفياض بن محمد بن عمر الطوسي عن الامام الرضا (ع) أنه كان يحتفل بذلك اليوم حيث قال: ” حضرت مجلس مولانا علي بن موسى الرضا (ع) في يوم الغدير و بحضرته جماعة من خواصه قد احتبسهم عنده للإفطار معه، قد قدّم لمنازلهم الطعام والبرُّ وألبسهم الصِّلاة والكسوة حتى الخواتيم والنعال”.
فالاحتفال بيوم الغدير ليس أمراً جديداً وكان اول احتفال أُقيم في يوم الغدير بجمع رسول الله (ص) المسلمين في غدير خم معلناً تنصيب عليا ولياً للمؤمنين من بعده. ولم يمض على الغدير سوى أقل من ثلاثة أشهر بناء على أن وفاة الرسول (ص) في الثامن والعشرين من شهر صفر، وما مرّ في هذه الفترة القصيرة من أحداث وانقلابات وكان من الواضح أن اعلان الغدير والولاية لعليّ لم يرُق للبعض الذين وصل بهم الأمر الى اتهام رسول الله (ص) بعقله حينما دعاهم الى بيته بعد ان خالفوا أمره حين أمَّر على الجيش أسامة وفيه كبار الصحابة الا عليّ أبقاه في المدينة الى حينه، وقد دعاهم الى أن ينفذوا جيش أسامة اكثر من مرة وهم، يتمنعون محتجين بحجج واهية فدعاهم الى بيته وأمرهم بأن يعطوه دواة وقرطاساً (يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً) ثم لما أكثروا الجدال بينهم أمرهم بالخروج من بيته بعد ان قال لهم: قوموا عني فأنه لا ينبغي الجدال عند النبي، وخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم كما رواه البخاري ثم حيل بين أمير المؤمنين والحكم ومن بعده أبناءه وما تعرّضوا له من ظلم وقتل، وتعرض شيعتهم للظلم والاضطهاد والقتل، فلم يتسن لهم الاحتفال بالغدير الى وقت متأخر وعلى نحو ضيّق ومحصور تقيةً وخوفاً على دمائهم وأعراضهم، وقد ورد عن الائمة من الصادق والرضا عليهما السلام الدعوة الى الاهتمام بهذا اليوم، وانه يوم عظيم ينبغي فيه إظهار الفرح والصيام شكراً لله تعالى على إتمام النعمة بيوم الغدير وإطعام الطعام كما سبق ونقلنا ما ذُكر عن احتفاء الامام الرضا (ع) في هذا اليوم.
أيها الاخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات،
لقد أحببت في هذا اليوم ونحن في أجواء عيد الغدير أن أذكر الاسباب الموجبة للإحتفاء بهذا اليوم التاريخي، والذي لم يكن ولن يكون في أي وقت من الأوقات نابعاً من بُعد طائفي أو مذهبي، وإنما تأكيداً على دأبنا عليه من الانطلاق في كل مواقفنا من مبدأ الحفاظ على خط أمير المؤمنين (ع) وسلوكه على وحدة الأمة وسلامة الدين الذي عبّر عنه بقوله(ع) : ” لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا عليّ خاصة”، وإن أي قول او فعل خارج هذا السياق يوقع الفتنة بين المسلمين أو يُتعرض فيه لحرمة النبي (ص) بما فيه التعرض لنسائه أمهات المؤمنين هو مدان ويُعرّض صاحبه للمساءلة والملاحقة القانونية، وهو فعل معصية لله تعالى توجب عقابه وعلى مرتكبها الرجوع عنها والتوبة الى الله والاعتذار من رسول الله (ص) وأهل بيته والمسلمين، ونحن نطالب السلطات المعنية بملاحقة من يقوم بنشر هذه الاساءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على منع نشر امثال هذه الاساءات بالتعرض لرموز الديانات والمذاهب لمخالفتها للقيم الدينية والشرائع السماوية وللقوانين المرعية الاجراء وحفاظاً على السلم الاهلي والنظام العام.
إنّ أخلاقية الغدير وقيم الغدير تدعونا لنتعلّم من عليّ الولي ونأخذ بنهجه وسلوكه الذي هو نهج وسلوك أئمة اهل البيت (ع) بالقيام بالنصيحة للمسلمين والالتزام بالحكم الشرعي وبمصلحة الامة وتمتين عرى وحدتها دائماً، التي هي أمة رسول الله (ص) التي أُستشهد عليّ في هذا الطريق ولهذا الهدف وكذلك أبناؤه الطاهرون. وهو ما عبّر عنه الإمام الحسين (ع) ونحن على مقربة من بداية شهر محرم الحرام بقوله:” إني لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي (ص)، وإنني اذ أدعو المؤمنين الى استعادة مجالس العاشر من محرم وإقامتها كما كانت العادة في كل عام والحضور في هذه المجالس بكثافة إحياءً لأمر أهل البيت (ع) والتزاماً بموالاتهم، فإني أدعو لإقامتها على النهج الذي قامت عليه دعوتهم وقامت عليه ثورة سيد الشهداء (ع)، وهو نهج الاصلاح في الأمة وعدم الإنجرار وراء إلهاب العواطف المذهبية التي توقظ الفتنة وتضرّ بمصلحة الطائفة والأمة، وأنا علي يقين من أن من يعتلي المنابر الحسينية من السادة قراء العزاء حفظهم الله الذين يبتغون خدمة المنبر الحسيني هم على هذا النهج الواعي الذي يأخذ بيد العامة من أبنائنا ليرتقوا بهم الى أعلى درجات الولاء والإخلاص للإسلام ولرسوله وأهل بيته (ع) ولمسيرة سيد الشهداء، وتعميق وحدة المسلمين في الموقف من الانحرافات الأخلاقية ودعوات تخريب عقائد المسلمين وأسرهم بما يثيرونه من أفكار هدّامة لعلاقاتهم الاسرية والاجتماعية خدمة للكيان الإسرائيلي الذي يرى في هذا الطريق أسهل وسائل هزيمة أمتنا بتمزيقها وشرذمتها وإضعافها عبر إدخالها بفتن داخلية وتفكيك مجتمعاتها وتحلّل أبنائها من القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية.
إنّ الهدف من إقامة مجالس عاشوراء إضافة الى تعريف أبنائنا بمظلومية سيد الشهداء (ع) وعظمة ثورته وتضحياته وأهدافه ووراثتهم هذا النهج المقاوم للظلم والباطل، وقد قدموا اليوم هذه التضحيات بمواجهة أبنائهم البطولية لزمر الظلم والفساد المتمثّل اليوم بالكيان الإرهابي الغاصب لأرضنا وثرواتنا ومقدساتنا في جنوب لبنان وفلسطين وعاصمتها القدس الشريف، علماء ومثقفين وادباء وشهداء كمجتمع متكامل متوحّد عجز العدو بكل وسائله أن يفكّك مداميكه المسلّحة بالإيمان والمُشبعة بالإحساس بالعزة والكرامة الحسينية وحبّ محمد وآله، فهم تمام النعمة الإلهية، بورك لكم ولأمتنا بإكمال الدين وإتمام هذه النعمة.
لقد قمتم بواجبكم على أتمّ أشكاله، ويبقى على القوى السياسية أن تقوم بواجبها في حماية البلد وحماية الناس الذي أصبح وجوده مهدداً والناس تُركوا نهباً للفاسدين والمحتكرين، والقطاع العام أصبح عاجزاً عن القيام بوظيفته في خدمة الناس وإنجاز معاملاتهم، فضلاً عن المعاناة في كل القطاعات، أليس هذا كافياً للمبادرة بأسرع وقت لتأليف حكومة تقوم على وضع خطة لوقف هذا الانحدار؟ ماذا ينتظرون حالاً أشد بؤساً من هذا الواقع للإحساس بشؤون وشجون الناس؟ اسأل الله تعالى ان يمن على هذا البلد بالامن والأمان وعلى مسؤوليه الإحساس بالمسؤولية والقيام بواجباتهم. والحمد لله رب العالمين.