ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به لقمان الحكيم ابنه عندما قال: “يا بني أحثك على ست خصال ليس منها خصلة إلا تقّربك إلى رضوان الله تعالى وتباعدك من سخطه:
أولاً: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً. ثانياً: الرضا بقدر الله تعالى فيما أحببت آو كرهت. الثالث: أن تحب في الله وتبغض في الله؛ الرابع: تحب للناس ما تحب لنفسك. الخامس: كظم الغيظ والإحسان إلى من أساء إليك. السادس: ترك الهوى ومخالفة الردى”…
إننا أحوج ما نكون إلى الأخذ بهذه الوصايا التي بها نبلغ رضوان الله ونكون بها أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من معاناة اللبنانيين على الصعيد الاقتصادي والمعيشي حيث يبدو أن معاناتهم على هذا الصعيد لن تتوقف بل تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بعد أن لم يعد هم اللبنانيين هو كيفية تأمين المال الكافي الذي يضمن لهم أبسط مقومات حياتهم، بل في عدم قدرتهم على تأمينها والوصول إليها، ويشهد على ذلك من يصطفون اليوم على أبواب الأفران لتأمين ربطة واحدة من الخبز لا أكثر، وقبل ذلك كانوا طوابير على أبواب المحطات لتأمين البنزين والمازوت وقد يعودون إليها، أو في الذين يلهثون باحثين عن دواء لهم أو لمن يتعلق بهم على أبواب الصيدليات والمستوصفات والمراكز الصحية، أو من يفتقدون الطبيب الذي يطمأنون إليه لعلاجهم بعدما قرر أن يترك هذا البلد سعياً لظروف أفضل لعيشه، أو المستشفى الذي لم يعد يستقبل أي مريض، أو ينتظرون الكهرباء أن تأتيهم حتى يحصلوا على متطلباتهم منها وغالباً ما لا تأتي، وحتى الماء في بلد المياه.
كل ذلك يحصل بدون أن يحظى اللبنانيون ببادرة أمل بأن ما يعانون منه سينتهي، بل يبشرهم من يملكون القرار المالي أو السياسي أن معاناتهم ستطول وأن لا أمل في علاج قريب، وأن البلد ذاهب إلى مزيد من الانهيار بعدما استنفدت الدولة أموالها التي يستند إليها اللبنانيون لتأمين حاجاتهم بسبب سياسات الفساد والهدر وسوء الإدارة، ولم يعد لديها ما تلبي به احتياجاتهم الأساسية، وقد يصل الوضع إلى عدم قدرتها على تيسير أمورها، ويكفي للدلالة على ذلك إضراب موظفي القطاع العام لقلة رواتبهم ومعاناة الجيش اللبناني والقوى الأمنية على هذا الصعيد، ولن يحل الأزمة ما يُمنّى اللبنانيون به من صندوق النقد الدولي، فهو إن أعطى مع شروطه القاسية فلن يكون بمستوى حاجات البلد وأزماته.
أما الخارج الذي ينتظر منه أن يعين لبنان، فهو لا يزال يدير ظهره له ولن يقدم المساعدات إلا بشروطه التي لن تتوقف عند الإصلاحات المطلوبة من الدولة اللبنانية القيام بها والتي مع الأسف لم تقم بها حتى الآن إلى ما يتجاوز ذلك من الخيارات التي يريدها هذا الخارج للبنان والتي قد تكون على حسابه وليست لصالحه.
يبقى النفط والغاز الذي بات يعول عليه، فلن يكون من السهل الحصول عليه إن وجد، وقد ارتبط الآن بما ستؤول إليه المفاوضات التي تجري حول ترسيم الحدود البحرية، والتي لم تصل بعد إلى النتيجة المرجوة، ونخشى أن لا تصل في وقت قريب في ظل التسويف الأمريكي والجشع والصهيوني، وإذا كان من حل للكهرباء، بدا في الأفق بعدما وقع لبنان الاتفاق التقني لنقل الغاز المصري، فإن هذه الخطوة رغم أهميتها لن تلبي من حاجة لبنان للكهرباء وهي تتوقف على شروط لم تتحقق حتى الآن…
أما الحكومة التي هي الباب لإدارة شؤون الدولة وحل مشاكل البلد والتحديات التي تواجهه، فرغم أن التكليف قد تم، فإننا نخشى أن يكون طريقه غير معبد في ظل العراقيل التي توضع أمامه والشروط المضادة، وحتى لو حصل فإنه لا ينتظر أن تقوم الحكومة بالدور المطلوب منها في الفترة القصيرة المتبقية من العهد الحالي سواء على صعيد التعافي الاقتصادي والمالي والقيام بالإصلاحات على الصعيد الداخلي، أو ما يتصل بطريقة التعامل مع الخارج، وإن كنا ندعو أن لا يفقد اللبنانيون باب الأمل هذا وعدم التفريط بالوقت المتبقي، لأن البلد لا يتحمل هدر الوقت.
لذلك نقول للبنانيين: إنه مع الأسف الشديد ليس أمامكم في هذه المرحلة إلا أن تبلسموا جراحكم بأيديكم وأن تتكاتفوا وتتعاونوا وتتكافلوا ويسند بعضكم بعضاً ويشد بعضكم أزر بعض.
وهنا نقدر كل المبادرات التي نراها من اللبنانيين في الداخل رغم الظروف التي يعيشونها ونراها ممن هم في الخارج الذين لم يبخلوا ولن يبخلوا على أهلهم وأبناء بلداتهم ووطنهم والذين أصبحوا هم محط الآمال في هذه الأيام.
في هذا الوقت ندعو اللبنانيين إلى أن يبقى صوتهم عالياً في وجه كل من يريد أن يفرط بمقدرات البلد أو من يقف في وجه الإصلاح الذي هو السبيل الوحيد لإخراج البلد من أزماته أو العبث بأمنه واستقراره وبمواقع القوة فيه.
ونجدد دعوتنا للمودعين عدم الكف عن المطالبة بودائعهم في وجه من يسعى لإسكاتهم أو تيئيسهم أو بالتنازل عنها في مقابل النزر اليسير منها، ودائماً نقول لهم ما ضاع حق وراءه مطالب.
ونتوقف عند التهديدات الصهيونية والتي باتت تتكرر عبر أكثر من مسؤول سياسي وأمني، لندعو إلى مزيد من الحذر لما يخطط له هذا العدو والجهوزية على كل الصعد لمواجهة أي مغامرة قد يقدم عليها بتعزيز الوحدة في الداخل، واستنفار عناصر القوة لدى اللبنانيين، وإن كنا لا نزال نرى أن كل هذه التصريحات تدخل في إطار الحرب النفسية التي يمارسها العدو الصهيوني لتقديم التنازلات له على صعيد الغاز أو على أي صعيد آخر يسعى إليه العدو أو من ورائه، فلبنان يمتلك من خلال جيشه ومقاومته واستعداد شعبه للتضحية بالغالي والنفيس كل القدرات والإمكانات التي تجعله عزيزاً وحراً.
وأخيراً فإننا نقف مع الشعب الأفغاني الفقير الذي يعاني في هذه الأيام من تداعيات الزلزال المدمر الذي أصابه والذي أودى بحياة الكثير وإلى دمار البيوت والمؤسسات فيما هو يفتقر إلى المقومات الكافية لمواجهته، وندعو العالم العربي والإسلامي والعالم كله إلى الوقوف مع هذا الشعب في معاناته ومد يد العون له بكل السبل.